الإشارة إلى كراهة لبس الطيلسان ]
وأما الطيلسان فلم ينقل عنه أنه لبسه ولا أحد من أصحابه بل قد ثبت في صحيح مسلم من حديث أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الدجال فقال يخرج معه سبعون ألفا من يهود أصبهان عليهم الطيالسة ورأى أنس جماعة عليهم الطيالسة فقال ما أشبههم بيهود خيبر . ومن هاهنا كره لبسها جماعة من السلف والخلف لما روى أبو داود والحاكم في المستدرك عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من تشبه بقوم فهو منهم
وفي الترمذي عنه صلى الله عليه وسلم ليس منا من تشبه بقوم غيرنا وأما ما جاء في حديث الهجرة أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى أبي بكر متقنعا بالهاجرة فإنما فعله النبي صلى الله عليه وسلم تلك الساعة ليختفي بذلك ففعله للحاجة ولم تكن عادته التقنع وقد ذكر أنس عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يكثر القناع وهذا إنما كان يفعله - والله أعلم - للحاجة من الحر ونحوه وأيضا ليس التقنع من التطيلس .
فصل [ غالب لبسه صلى الله عليه وسلم وأصحابه القطن ]
وكان غالب ما يلبس هو وأصحابه ما نسج من القطن وربما لبسوا ما نسج من الصوف والكتان وذكر الشيخ أبو إسحاق الأصبهاني بإسناد صحيح عن جابر بن أيوب قال دخل الصلت بن راشد على محمد بن سيرين وعليه جبة صوف وإزار صوف وعمامة صوف فاشمأز منه محمد وقال أظن أن أقواما يلبسون الصوف ويقولون قد لبسه عيسى ابن مريم وقد حدثني من لا أتهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد لبس الكتان والصوف والقطن وسنة نبينا أحق أن تتبع .
ومقصود ابن سيرين بهذا أن أقواما يرون أن لبس الصوف دائما أفضل من غيره فيتحرونه ويمنعون أنفسهم من غيره وكذلك يتحرون زيا واحدا من الملابس ويتحرون رسوما وأوضاعا وهيئات يرون الخروج عنها منكرا وليس المنكر إلا التقيد بها والمحافظة عليها وترك الخروج عنها .
[ السنة لبس ما تيسر ]
والصواب أن أفضل الطرق طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم التي سنها وأمر بها ورغب فيها وداوم عليها وهي أن هديه في اللباس أن يلبس ما تيسر من اللباس من الصوف تارة والقطن تارة والكتان تارة .
[ لبس البرد ]
ولبس البرود اليمانية والبرد الأخضر ولبس الجبة والقباء والقميص والسراويل والإزار والرداء والخف والنعل وأرخى الذؤابة من خلفه تارة وتركها تارة . وكان يتلحى بالعمامة تحت الحنك .
وكان إذا استجد ثوبا سماه باسمه وقال اللهم أنت كسوتني هذا القميص أو الرداء أو العمامة أسألك خيره وخير ما صنع له وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له وكان إذا لبس قميصه بدأ بميامنه . ولبس الشعر الأسود كما روى مسلم في صحيحه عن عائشة قالت خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه مرط مرحل من شعر أسود
وفي الصحيحين عن قتادة قلنا لأنس أي اللباس كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال الحبرة . والحبرة برد من برود اليمن . فإن غالب لباسهم كان من نسج اليمن لأنها قريبة منهم وربما لبسوا ما يجلب من الشام ومصر كالقباطي المنسوجة من الكتان التي كانت تنسجها القبط .
وفي سنن النسائي عن عائشة أنها جعلت للنبي صلى الله عليه وسلم بردة من صوف فلبسها فلما عرق فوجد ريح الصوف طرحها وكان يحب الريح الطيب .
وفي سنن أبي داود عن عبد الله بن عباس قال لقد رأيت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن ما يكون من الحلل وفي سنن النسائي عن أبي رمثة قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب وعليه بردان أخضران . والبرد الأخضر هو الذي فيه خطوط خضر وهو كالحلة الحمراء سواء فمن فهم من الحلة الحمراء الأحمر البحت فينبغي أن يقول إن البرد الأخضر كان أخضر بحتا وهذا لا يقوله أحد .
[مخدته صلى الله عليه وسلم ]
[ الرد على من يمتنعون عما أباح الله ]
[ النهي عن لباس الشهرة سواء للفخر أو للتزهد ]
وكانت مخدته صلى الله عليه وسلم من أدم حشوها ليف فالذين يمتنعون عما أباح الله من الملابس والمطاعم والمناكح تزهدا وتعبدا بإزائهم طائفة قابلوهم فلا يلبسون إلا أشرف الثياب ولا يأكلون إلا ألين الطعام فلا يرون لبس الخشن ولا أكله تكبرا وتجبرا وكلا الطائفتين هديه مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم ولهذا قال بعض السلف كانوا يكرهون الشهرتين من الثياب العالي والمنخفض وفي السنن عن ابن عمر يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم من لبس ثوب شهرة ألبسه الله يوم القيامة ثوب مذلة ثم تلهب فيه النار وهذا لأنه قصد به الاختيال والفخر فعاقبه الله بنقيض ذلك فأذله كما عاقب من أطال ثيابه خيلاء بأن خسف به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة .
وفي الصحيحين عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة وفي السنن عنه أيضا صلى الله عليه وسلم قال الإسبال في الإزار والقميص والعمامة من جر شيئا منها خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة وفي السنن عن ابن عمر أيضا قال ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإزار فهو في القميص وكذلك لبس الدنيء من الثياب يذم في موضع ويحمد في موضع فيذم إذا كان شهرة وخيلاء ويمدح إذا كان تواضعا واستكانة كما أن لبس الرفيع من الثياب يذم إذا كان تكبرا وفخرا وخيلاء ويمدح إذا كان تجملا وإظهارا لنعمة الله ففي صحيح مسلم عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة خردل من كبر ولا يدخل النار من كان في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان فقال رجل يا رسول الله إني أحب أن يكون ثوبي حسنا ونعلي حسنة أفمن الكبر ذاك ؟ فقال لا إن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمط الناس..
""
"
منقول